مدونات جيل01

التغير المناخي... هل لدينا الوقت في الأردن؟ 

 

لو تحدّث أحدنا عن التغير المناخي قبل 10 سنوات، لم نكن لنلتفت لحديثه أو نتفاعل معه بشكل كبير. اليوم لا تكاد تخلو نشرة إخبارية أو برنامج إذاعي أو تلفزيوني يومي أو صحيفة من الحديث عن موضوع التغير المناخي. وبينما قد يشير ذلك إلى أن ناقوس الخطر قد دقّ، إلا أنني أعتقد أن طرح المشكلة وتسليط الضوء عليها من أهم الخطوات لإيجاد الحلول.  

في جيل 01، كان موضوع المناخ على قائمة المواضيع التي اخترنا تناولها كقادة شباب. فجيلنا قادر على إحداث تغيير وعكس الصورة الحالية قبل فوات الأوان. أسئلة كثيرة طرحناها في نقاش جماعي؛ أثر الأردن على المناخ العالمي مقابل تأثره فيه؟ فقر المياه والأمن الغذائي؟ ماذا على الأردن أن يفعل؟ ماذا عن تمكيننا كشباب لتحقيق التغيير؟ هل للخطوات الفردية أي فائدة اليوم؟ وقد نقلتها جميعها في لقاء مطوّل وممتع مع أحد أكثر الناشطين محليًا في مجال العمل المناخي؛ عمر الشوشان؛ رئيس اتحاد الجمعيات البيئية.  

“الطبيعة لها القول الفصل”… بهذه الكلمات بدأ الشوشان حديثه معي. “الوحيدة التي لا تعرف غنيًا أو فقيرًا، دولة كبرى، عظمى، أو نامية هي الطبيعة. اليوم نحن نواجه تهديدًا حقيقيًا ومباشرًا للبشرية وأمنها وسلامها”، بهذا بدأ كلماته، لأبدأ بعدها بطرح أسئلة متتالية في بحثي عن حلول في متناول اليد.   

 

تأثير الأردن مقابل تأثّره

لا يرتبط الضرر الذي بدأ التغير المناخي في إحداثه حول العالم أبدًا بمدى مساهمة دولة ما في الغازات الدفيئة والاحتباس الحراري. فعلى سبيل المثال، أثكلت الفيضانات كاهل الباكستان في الصيف الماضي؛ وهي مسؤولة عن أقل من 1% من الانبعاثات حول العالم فقط1. كذلك الأردن، أعلن عن خطته لخفض نسبة انبعاثاته من الغازات الدفيئة من 14% إلى 31% بحلول عام 2030 2، لكن هل يعني ذلك بالضرورة أنه محميٌّ من تبعات التغير المناخي المتطرفة؟ الجواب: لا. 

“الدول الصناعية الكبرى، وهي المسؤول الأكبر عن الانبعاثات في الكرة الأرضية، ستتأثر بتبعات التغير المناخي. لكن الفرق بينها وبين الدول النامية هو قدرتها على التكيّف، بل ومعالجة المشاكل البيئية والاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن هذه الأزمة. فهي قادرة على تخصيص ميزانيات ضخمة لمعالجة هذا الأمر. ليس ذلك فحسب، بل إنها مع الوقت لن توفر الدعم للدول الأخرى المتأثرة بالأزمة المناخية لأنها ستضع نفسها أولوية”، يقول الشوشان.  

وهذا بالضبط ما يطرحه مصطلح العدالة المناخية؛ وهو ببساطة عكس الظلم المناخي. فبينما هناك دول مسؤولة عن الانبعاثات بسبب ممارساتها المستمرة، هناك دول أخرى ستتحمل تبعات ذوبان الجليد، والتصحر، والظواهر البيئية المتطرفة؛ من إعصارات وفيضانات وحرائق وغيرها. هناك شعوب ستتهجّر من بلادها بحثًا عن الماء والغذاء لو لم نتحرك الآن. 

 

كيف يؤثر التغير المناخي على حياتنا اليومية ولماذا يعد سببًا لخلق النزاع؟  

ربما الحديث عن التغير المناخي كمشكلة ضخمة واستخدام مصطلحات معقدة لوصف الموضوع يجعل من الصعب علينا كأفراد إدراك كيفية تأثير هذه الأزمة على حياتنا اليومية. “تخيّل الأطفال في المدارس، خاصة في المحافظات ممن يمشون لمسافات طويلة لمدارسهم. كيف ستؤثر موجات الحر الطويلة التي نشهدها أو الهطول المطري الكثيف على دوامهم؟ هل سيتمكنون من المشي كل يوم لمدرستهم؟ انظر لراعي الأغنام الذي لن يجد أعلافًا لمصدر رزقه الوحيد بسبب شح المياه”، يقول الشوشان، واصفًا الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية التي قد تنجم عن آثار التغير المناخي، مشيرًا إلى أن هذه الآثار قد تدفع المجتمع نحو النزاع وتهدد سلمهم بشكل مباشر.  

وهنا سأستذكر كلمة للدكتور مهند عربيات، رئيس هيئة أجيال السلام، المنظمة التي أتطوع لديها في برنامج جيل 01، في خطابه خلال مؤتمر الشباب المحلي للتغير المناخي الذي أقيم مؤخرًا بمشاركة شابات وشباب من المهتمين بالعمل المناخي من مختلف محافظات المملكة: “إذا بدأنا بالتعامل مع التغير المناخي على أنه قضية أمن وطني يهدد سِلْم الأفراد، ربما نضعها على سلّم الأولويات، وننظر لها بمنظور مختلف”.  

وبحسب وثيقة مشروع مقترح من البنك الدولي، سيعمل تغير المناخ والنمو السكاني على تقليل توافر موارد المياه للفرد بنسبة 30% بحلول عام 2040، في الوقت نفسه ستؤدي فيه هذه العوامل إلى زيادة الطلب على المياه 3. وهذا يشير إلى أن ممارستنا اليومية ستتأثر بتغير المناخ، عدا عن تأثر الزراعة وغيرها من القطاعات التي تعتمد على المياه.. وهل من قطاع لا يعتمد على المياه؟ 

ولنفهم أكثر تأثير التغير المناخي على حياتنا كأفراد، يقول الشوشان: “ما يقارب نسبة 23% من الأمراض الموجودة في المنطقة سببها بيئي بحسب منظمة الصحة العالمية. لقد أصبح التغير المناخي أحد أسباب الوفاة الرئيسية، مثل الأمراض وحوادث السير، وغيرها”.  

 

الدور الحكومي المؤسسي.. كيف نكسب الوقت؟  

صحيح أن الوقت أمامنا ضيّق، إلا أنه لا يزال أمامنا المجال للبناء على أي خطوة اتخذناها مسبقًا وبدء خطوات جديدة، خاصة وأن البُنية التشريعية لدينا ممتازة، من ناحية قوانين وحضور دولي في المؤتمرات الدولية، وتقارير دولية دورية، بحسب وصف الشوشان، الذي أشار إلى أن العمل المناخي يتجّه في ثلاثة مسارات: التخفيف، التكيّف، والتمويل. 

“عدم ربط الأولويات لدى صانع القرار الأردني مشكلة يجب العمل على حلها. اليوم يجب التخطيط بشكل استراتيجي، والعمل كمؤسسات مترابطة تركز جهودها بمكان واحد. على الأردن أن يعمل سياسيًا لتشكيل تحالفات مع دول المنطقة والدول الفقيرة للضغط على الدول الكبرى لدعمها في العمل المناخي من ناحيتي التخفيف والتكيّف. فمشروع الناقل الوطني، على سبيل المثال، لا يمكن اليوم تنفيذه بلا بتوفير تمويل من صناديق مثل صندوق المناخ الأخضر العالمي. نحتاج لتعزيز قدراتنا في الجانب المائي، تكثيف الزراعات ذات القيمة المضافة التي تحقق نوعًا من أنواع الأمن الغذائي، وتحسين صحة المراعي. نحن نتحدث عن أزمة ممتدة تتقاطع مع كل القطاعات يجب أن نتحدى أنفسنا للتعامل معها”. 

وأضاف: “هذا يعني إذا أردنا تحقيق نتيجة إيجابية يجب العمل بشكل منظم بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص”. 

  

الوعي والإيمان الفردي بداية التغيير  

يقال أن الخطوة الصغيرة تتضاعف إذا مارسها ملايين من حول العالم. في الأردن نشكّل كشباب تحت سن 30 حوالي 63% من نسبة السكان 4، ما يعني أن بيدنا الكثير لنقوم به. يقول الشوشان: “السلوكيات الفردية أشبه بكرة الثلج.. تكبُر شيئًا فشيئًا. فالممارسات قادرة على التأثير على أصحاب القرار في السياسة والاقتصاد. لماذا تحوّلت المكيّفات لـ “inverter”؟ بسبب الممارسات التي خلقت الحاجة والتوجه لها. كذلك الإضاءة الموفرة للطاقة والسيارات الكهربائية، كلها توجهات تصنيعية نتجت بفضلنا كأفراد”.  

كشباب علينا أن نتحوّل من مُتلَقين للآثار، لفاعلين ومحركين ومبادرين بالتغيير. يبدأ ذلك من تشكيل الوعي؛ نقرأ، نشاهد الوثائقيات، نطلّع على التجارب الناجحة؛ نشجّع أقراننا الذين يقودون المبادرات المحلية وإن كانت صغيرة؛ نقلل من معدلات الاستهلاك؛ ولا نستخفّ بأي خطوة قد تساهم بحماية كوكبنا.  

بعد ذلك سنكون قادرين على تكوين رأي قادر على التغيير. رأي نضغط به على أصحاب القرار، سواء من خلال سلوكياتنا الواعية التي تخلق توجهات جديدة؛ كمثال المكيّفات، أو من خلال حملات كسب التأييد التي تنادي بتحقيق العدالة المناخية. 

 

 

هذه المدوّنة تعكس رأي الشاب محمود عبدالسلام بعد لقاء أجراه مع عمر الشوشان، أحد أبرز المختصين والفعالين المحليين في قطاع البيئة، كجزء من برنامج “جيل 01” المنفذ من قبل هيئة أجيال السلام، بدعم من السفارة الأمريكية في الأردن. 

تم تمويل هذه المدوّنة بمنحة من وزارة الخارجية الأمريكية. الآراء والنتائج والاستنتاجات الواردة هنا هي آراء المؤلف/ة ولا تعكس بالضرورة آراء ونتائج واستنتاجات وزارة الخارجية الأمريكية. 

محمود عبدالسلام في لقاء مع عمر الشوشان – رئيس اتحاد الجمعيات البيئية الأردنية