الروح الريادية الشبابية والواقع الأردني... أيهما أكثر مرونة؟ 

شبابنا اليوم مكوّن من مزيج غريب بين الحماس المتقد والانطفاء المرعب. ربما تكون أحد الشباب أو الشابات الذين خطر على بالهم يومًا فكرة إبداعية أو مشروعًا رياديًا جديدًا بالنسبة للمجتمع أو العالم حتى، لكن الشكوك أخذت نصيبًا من عقلك. ربما لم تكن تملك معرفة كافية حول كيفية البدء بهذه الفكرة، أو تملّكك الخوف من فكرة أن يلتهم أحد السارقين فكرتك عشاءً باردًا. وربما لم تعرف إلى أي جهة صحيحة قد تتجه!   

لو أي من هذه السيناريوهات أخذ مسارًا بارزًا في عقلك يومًا ما فهذا المقال يهمك. في لقاء لي مع رئيس مركز الملكة رانيا للريادة؛ محمد عبيدات، تحدّثنا كثيرًا عن ريادة الأعمال والشباب المحلي؛ ما لم نتعلّمه في المدارس، ولم يخبرنا عنه الأهل، وما لم نبحث عنه بشكل صحيح. زوايا متعددة ناقشناها خلال اللقاء، الذي نقلتُ فيه وجهة نظر فريق جيل01  من الشابات والشباب، مخاوفهم، تساؤلاتهم، وآمالهم ببيئة محلية محفزة للريادة. 

ما هي الريادة في مفهومها البسيط؟  

يرى عبيدات أن الريادة هي الحل الجديد أو المبتكر لمشكلة حقيقية موجودة لم يلحظها أحد من قبل أو لم يوجد لها حلول شافية بعد. وبرأيي فإن مجتمعنا يواجه العديد من التحديات التي لابد أن نواصل البحث عن حلول لها. لكن ما دور المؤسسات والنظام التعليمي في تشجيعنا على ريادة الأعمال؟ 

بينما يجب على المؤسسات أن تقوم بالإعلان وتقديم المعلومات، والجلسات التوعوية، وتقديم فرص التشبيك، يبقى الدور الأكبر على الشباب في البحث عن الفرصة. لذلك، بعيدًا عن أسلوب تلقي المعلومة الذي اعتدنا عليه، دورنا كشباب واعٍ اليوم أن نتجنب الوقوع في فخ عيش دور الضحية، وأن نتناول المعلومة والفرص كتناول القط للفأر.  

ما بين رياديين عالميين تركوا التعليم، وتعليم يعزز الروح الريادية.. ماذا نحتاج؟ 

قد يُلام النظام التعليمي الذي خضناه في المدارس والجامعات؛ إذ ربما لم يركز على بناء مهارات التفكير الناقد والتحليل لدينا؛ وهو الأساس لريادة الأعمال؛ لكن لا يزال بيدنا الأمر لندرك الفرصة ونلتقطها.  

وبرأي محمد عبيدات: “إن على الجامعات مثلًا، عدا عن إعادة النظر في نوعية التعليم والمناهج؛ أن تفعّل دورها بشكل أكبر في فتح الباب أمام الطلبة للوصول إلى المصادر والمختبرات التي تمتلكها بدلًا من إغلاقها خوفًا عليها من الخراب، مع تقديم ضمان التجربة الكاملة؛ كأن تسمح للطلبة بالانفتاح على المجتمع المحلي والشركات الكبيرة ليتعرفوا بأنفسهم على التحديات التي يحتاج مجتمعهم إيجاد حلول لها من خلال ريادة الأعمال”.  

وأشار عبيدات إلى أن الخبرة قد تكون هي المفتاح لأي مشروع ريادي ناجح. إذ يرى أنه من المهم بناء الروح الريادية لدى الطلبة من عمر صغير، لكن هذا لا يعني أنهم قادرين على فتح مشاريع وإدارتها بشكل ناجح. “هناك مؤسسة تنظم مسابقة لطلبة المدارس الخاصة والحكومية حول كيفية بناء مشروعهم الخاص. وهذا شيء مميز وإيجابي لتعليم الطلبة مهارات التفكير الريادي. لكن في الواقع، هل يستطيع الطالب تحمّل ضغوطات المشروع مع ضغوطات التعليم؟ هل لديه الخبرة الكافية ليترك التعليم ويركز على المشروع؟ هل ستؤثر هذه الضغوطات على نفسيته للأبد؟”.   

ويرى عبيدات أن عمر الثلاثينيات هو “غالبًا” العمر الأفضل لتأسيس المشروع، حيث يكون الشاب أو الشابة قد تخرّج واكتسب خبرة عملية، وجرّب أكثر من وظيفة ما يجعله قادرًا على الحكم، كما يبني لديه مرونة وقدرة أعلى على تحمّل ضغوطات المشاريع الخاصة.  

وفي فكرة مثيرة للاهتمام يقول عبيدات: “علينا أن نفكر كيف نكون رياديين نحل مشاكلنا ومشاكل مجتمعاتنا، وليس بالضرورة أن نتطلع لأن نكون نسبة الواحد في الواحد بالمئة”؛ والتي يقصد بها كبار الناجحين الذين يُضرب بهم المثل دائمًا أمثال بيل غيتس وإيلون ماسك. 

لديّ فكرة.. أين أتوجّه؟  

نقلنا الحديث لنقطة أخرى؛ إذا كانت لدي الفكرة وأعرف جيدًا ما الذي سأحققه منها، ما هي المؤسسات التي يجب عليّ كرياديّ أو ريادية أن أتوجه إليها؟  

تختلف وجهتك حسب نوع المشروع، لكن عمومًا يبلغ عدد الجهات التي عليك مراجعتها ما يقارب 20-15 جهة مختلفة، من بينها:  

• غرفة التجارة والصناعة  
•  الجمارك وضريبة الدخل  
•  وزارة العمل  
• المواصفات والمقاييس  
•  الغذاء والدواء  
•  الجمعية العلمية الملكية   
•  المركز الجغرافي الملكي  
• الأمن العسكري والسفارات العسكرية 

وقد يدل ذلك على حاجتنا الحقيقية إلى تغيير بعض القوانين، أو ربما تطبيق النافذة الواحدة للاستثمار بشكل فعّال، وأقتبس هنا تعريف عبيدات للنافذة الواحدة: “شبّاك واحد يتكفّل بإنهاء جميع المهام الخاصة بتسجيل شركتك الريادية”. 

ورغم حاجتنا للعمل على توحيد، أو تخفيف عدد الجهات، التي علينا مراجعتها، إلا أن هناك جهات رسمية حكومية يستطيع الريادي أن يقصدها للمساعدة والتوجيه، وهي على حد تعبير عبيدات “موثوقة”، إذ يقول: “أنا إنسان أؤمن بأن كل شيء حكومي موثوق لإن بالنهاية من يقدم الخدمات داخل هذه المؤسسات هم أهلنا، كما يوجد العديد من المؤسسات المحلية الأخرى الموثوقة التي يمكن الرجوع إليها لأخذ التوجيه اللازم”. ومن الجهات الموثوقة التي ذكرها عبيدات: وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة، ومؤسسة JEDCO- المؤسسة الأردنية لتطوير المشاريع الاقتصادية، ومركز الملكة رانيا للريادة؛ الذي يستقبل الأفكار المتعلقة بالتكنولوجيا، ويتيح للرياديين والرياديات مساحات للعمل على أفكارهم، ويقدم فرص التدريب والتشبيك، والدعم المالي من خلال جائزة الملكة رانيا للريادة. 

كيف أحمي فكرتي من السرقة؟ 

“لا تستطيعين، الفكرة لا تُحمى. الفكرة قد تُسرق، لكن هل سيتم تطبيقها كما ستطبقها أنت تماماً؟ لا، فأكثر ما يميز فكرة ما هي عملية تطبيقها. إذا امتلك صاحب الفكرة شيئًا أساسيًا مميزًا، ومعرفة كافية وعميقة بمشروعه، سيحمي فكرته”، يقول عبيدات.  

وقد اقترح مجموعة حلول يمكن أن نقوم بها لنحمي حقوق الملكية:  

• تسجيل براءة اختراع، فالإجراءات سهلة وتكلفتها غير مرتفعة نسبيًا. 
•  تسجيل الملكية في المنظمة الدولية لحماية الحقوق الملكية -WIPO، لتحصل على حماية لمدة ثلاثين شهرًا في العالم كلُّه إلى أن تختار الدولة التي تريد أن تسجل شركتك فيها.  

• تسجيل علامة تجارية بوزارة الصناعة والتجارة بإجراءات بسيطة وتكلفة غير مرتفعة.  

عملية صنع عقول ريادية لا تقتصر فقط على الريادي نفسه، بل هي عملية متكاملة تبدأ من دعم الأسرة، وتوفير البيئة التعليمية المناسبة، ثم الاقتصاد الوطني المحفز؛ لكن الإيمان بالنفس يجعل كل شيء ممكنًا، فالفرص موجودة دائماً؛ علينا فقط أن نعرف كيف نجدها، ونتعلم كيف نستغل الإمكانات المتوفرة للوصول إلى ما نريد. هذه الإمكانات، حتى وإن كانت قليلة أو شبه معدومة لكنها موجودة في مكان ما تنتظرنا أن نبذل المزيد من الجهد. 

هذه المدوّنة تعكس رأي الشابة ملاك الخضور بعد لقاء أجرته مع محمد عبيدات، أحد أبرز المختصين والفعالين المحليين في قطاع الريادة، كجزء من برنامج “جيل 01” المنفذ من قبل هيئة أجيال السلام، بدعم من السفارة الأمريكية في الأردن. 

تم تمويل هذه المدوّنة بمنحة من وزارة الخارجية الأمريكية. الآراء والنتائج والاستنتاجات الواردة هنا هي آراء المؤلف/ة ولا تعكس بالضرورة آراء ونتائج واستنتاجات وزارة الخارجية الأمريكية.