مدونات جيل01

العنف ضد المرأة... هل من حل غير إنكار الحقيقة؟ 

 

يتشكّل العنف في حلقة مستمرة؛ أب يعنّف أمًا، أمٌ تعنّف ابنًا، ابنٌ يعنّف زميلًا أو أخًا أو أختًا. وضمن هذه الحلقة التي لا تتوقف عن ترسيخ الاختلافات والبُعد والتفكيك، قد تقع المسؤولية الأكبر لا على من بدأها بالأساس، بل على من يدرك هذه الحلقة، ويعي بكل ما فيه من جوارح مدى الأثر الذي تحدثه على من هم بداخلها.  

كشابة تدرك أهمية كسر هذه الحلقة خاصة بين أبناء جيلي، اخترتُ موضوع العنف القائم على النوع الاجتماعي لأكتب مدوّنتي عنه، وبعد جمع الأسئلة من شباب وشابات جيل 01 عن الموضوع، قابلتُ إحدى المختصات والناشطات في المجال، لأطلع من خلال خبرتها الطولية ودراساتها وتعمّقاتها على واقع المجتمع الأردني فيما يتعلّق بالعنف.  

في لقاء ممتع ومطوّل، شاركتني سعادة الدكتورة ميسون العتوم، مديرة مركز دراسات المرأة، وعضو في مجلس الأعيان، رأيها بزوايا عديدة في موضوع العنف القائم على النوع الاجتماعي. وطرحتُ العديد من الأسئلة: هل حقًا علينا أن نلتفت لهذه القضية في بلدنا؟ أم أنها حالات فردية لا تستدعي القلق؟ ما الدعم الذي يحتاجه من يسعى لكسر حلقة العنف، هل هو دعم نفسي، قانوني أم ثقافي؟ وكيف يمكننا كشباب كسر هذه الحلقة؟ 

 

لماذا المرأة.. أليس هناك عنفٌ ضد الرجل؟  

قد يتساءل البعض لما كل هذا التركيز على المرأة، والإجابة على ذلك أن “95% من حالات العنف المسجلة محليًا هي ضد النساء، حيث إن أكثر أنواع العنف المنتشرة في الأردن هو العنف النفسي (الشتم)، ثم العنف الجسدي (الضرب بدرجاته المختلفة)، ثم التحرش. ويأتي الاعتداء غالبًا من أكثر الأشخاص قربًا للمرأة: الزوج، الأخ، والأب”، بحسب سعادة الدكتورة.  

قد تكون هذه الحقائق صعبة على المتلقي لكنها تعكس حقيقة الثقافة السائدة في حياتنا. وهنا، وقفتُ عند سؤال مهم، لماذا المرأة، هل لأنها أضعف مثلًا؟.  

“الضعف ليس السبب في تعرّض النساء للعنف. عل العكس، مقياس القوة اختلف عن الماضي. قديمًا كانت القوة تنعكس بالأداء البدني، وبالتالي كان الرجل أكثر قدرة على أداء المهام الصعبة كالزراعة والحراثة. اليوم، اقتحمت المرأة مجالات التعليم، والجامعة، والتكنولوجيا، ومعظمها لا يتطلب قوة بدنية. إن الإشكالية تكمن في الثقافة والخطاب السائد. تغيير الخطاب يعني تغيير الوعي والرؤية والسلوك”، تعلّق سعادة الدكتورة.  

وتتابع: “إن وصف المرأة بالناقصة أو العورة أو ما شابه، يجعل الرجل بحالة وصاية عليها طوال الوقت، ما قد ينعكس على سلوكه تجاهها. حتى أننا نرى أحيانًا كيف تبرر المرأة للرجل سلوكياته المعنّفة”.  

وبحسب وصف سعادة الدكتورة ميسون، فإن الأمر لا يقتصر على خطاب الوصاية، بل أيضًا على اختزال المرأة في الأدوار الجسدية (الجنسية) والمظهر الخارجي والاستهلاك، أو اختزالها في المطبخ أو الأمومة، كما تفعل بعض وسائل الإعلام، كل هذا يعكس مدى أهمية تغيير الخطاب السائد في حياتنا اليوم. “يجب تغيير الخطاب ليعطي المرأة صفة المواطنة. الصفة الكاملة للإنسان الواعي المسؤول والمكلّف والمتمكّن”.   

 

لماذا كل هذا الإنكار للعنف ضد المرأة؟ 

سألتُ معالي الدكتورة: لماذا نرى إنكارًا لقضية العنف ضد المرأة، مع أن الأرقام شاهدة. لماذا توصف المنظمات العاملة مع المرأة بالمخرّبة أو المدمرّة للمجتمع، هلي هي حقًا تحاول إدخال مفاهيم جديدة مرفوضة لدى مجتمعاتنا؟  

“هناك نوع من سوء الفهم لأي مطلب متعلق بالمرأة محليًا. دائمًا يتم وصف المطالب بأنها غربية ودخيلة علينا، مع أنها بالأساس موجودة بالأديان والثقافة العشائرية والحقوق الإنسانية ككل. إذا نظرنا للإسلام سنجد وحدة تكليف وثواب وعقاب الجميع فيها سواسية، ذكورًا وإناثًا. العشائرية كذلك، إذا ذهبتي إلى قرية من قرى المحافظات، ليس بالسهل على الرجال أن يتحرشوا بنساء قريتهنّ. العُرف يمنع ذلك تمامًا. عادتنا وتقاليدنا الأصيلة قائمة على التقارب والتماسك المجتمعي، وهي بالأساس تمنع أي سلوكيات فيها أذى لأي إنسان، وتحديدًا المرأة”. 

وبالاطلاع على المشهد ككل، هناك تقدّم فيما يتعلّق بالإبلاغ عن حالات العنف في الأردن. صحيح أننا لا نزال نعيش في واقع صلب و”تابوهات” كثيرة، إلا أن كسر حلقة العنف من خلال الإبلاغ عنه قد يكون أحد الحلول. هناك عمل مستمر من أجل تطوير هذه المنظومة، لكنني شخصيًا أرى أننا لا نزال بحاجة لتغيير ثقافي وقانوني ملموس، حتى لا يكون الإبلاغ سببًا في عنف أكبر، كما يحصل في بعض الحالات. 

 

هل تمكين المرأة سبب في تفكك الأسر؟  

وجهتُ لسعادة الدكتورة سؤالًا قد يكون غريبًا بعض الشيء لكنه يدور بالأذهان: هل تمكين المرأة يفكك الأسر؟ “تمكين المرأة، يزيدها قوة، فهمًا، واحترامًا لذاتها؛ وبالتالي، فهمًا أكبر لدورها الأسريّ، ولأمومتها، ولدورها كزوجة، وكبانية للأجيال المنتجة. تمكين المرأة يعني مجتمعًا أجمل، أقوى، وأكثر إنتاجًا وصلابة”، تقول الدكتورة.   

وبالعودة لكسر حلقة العنف، ماذا لو نظرنا للأرقام والإحصائيات على أنها وسيلة للتعامل مع الواقع ومفتاح للبدء بالبحث عن حلول، بدلًا من اتخاذها كشكل من أشكال التهديد للتماسك الأسري؟ برأيي، إن تحديد المشكلة والتحدث فيها بشكل واعٍ هو أولى خطوات الحل. وأعني بالتحدث في المشكلة بشكل واعٍ ما يلي:  

  • النشر بشكل مدروس، وليس عشوائي فقط بهدف الخوض بمشاعر وقصص الآخرين.  
  • عدم إلقاء الأحكام أو تناقل خطاب الكراهية الذي يحث على مواصلة حلقة العنف بدلًا من كسرها.  
  • توجيه الإعلام نحو الخطاب الإيجابي والحقوقي، بدلًا من خطاب الاستعطاف أو الخطاب الذي لا يراعي مشاعر الضحية، بل يسبب لها الأذية في كثير من الأحيان. 
  • دفع الجهات المختصة والإعلام لدراسة حالات العنف والسلوك القائم على التعنيف؛ لمحاولة حل المشكلة من جذورها.  

وأخيرًا، نحن كشباب نمتلك إرادة قوية للتغيير. علينا أن نستخدم كل ما لدينا من موارد لنشر الوعي. علينا أن نكوّن، وتحديدًا الذكور منا، فهمًا جديدًا متّزنًا وصحيحًا لمكانة المرأة ودورها، أن ننتبه لأبسط التفاصيل؛ كاللغة التي نستخدمها، النِكات، أو أساليب التواصل اليومية. والأهم، ألّا نصمت عن أي حالة عنف نشهدها.  

لنتطلع، كشابات وشباب، لأن نبنيَ بعضنا البعض، نساند بعضنا البعض، ونمكّن بعضنا البعض. بعدها، يمكننا التحرّك لتغيير القوانين التي لا يزال كثير منها يلقي باللوم على الضحية ويُنصف المعتدي؛ لنشكّل مجتمعًا مبنيًا على السلام والتماسك، ونوقف حلقة العنف المستمرة. 

 

 

هذه المدوّنة تعكس رأي الشابة سلسبيل حناتلة بعد لقاء أجرته مع سعادة الدكتور ميسون العتوم، إحدى أبرز المختصات والفعالات المحليات في مجال دراسات المرأة، كجزء من برنامج “جيل 01” المنفذ من قبل هيئة أجيال السلام، بدعم من السفارة الأمريكية في الأردن. 

تم تمويل هذه المدوّنة بمنحة من وزارة الخارجية الأمريكية. الآراء والنتائج والاستنتاجات الواردة هنا هي آراء المؤلف/ة ولا تعكس بالضرورة آراء ونتائج واستنتاجات وزارة الخارجية الأمريكية. 

 

 سلسبيل حناتلة في لقاء مع سعادة الدكتورة ميسون العتوم – مديرة مركز دراسات المرأة، وعضو في مجلس الأعيان