مدونات جيل01

كلّنا صحفيّون.. ما لنا، وما علينا؟ 

 

كاميرا وفضاء مفتوح على مدار الساعة للنشر والكتابة. ماذا نحتاج أكثر ليصبح كل منا صحفي؟ هل كنا نتخيل يومًا أننا كأفراد لن يكون دورنا تناقل القصة أو الخبر فقط، بل سيصبح أمامنا الخيار لنكون مصدرًا للقصة الإعلامية نفسها؟ كم أصبح من السهل علينا الوصول للمعلومة. فبدلًا من المصدر الواحد، نجد عشرات المصادر.  

وبينما قد يبدو المشهد الإعلامي الحالي مثاليًا لنقل الحقيقة وإيصالها لكل العالم في الوقت المناسب، أرى كخرّيجة إعلام أن هناك العديد من التحديات التي رافقت هذا المشهد:  

  • تعدد المصادر لا يعني بالضرورة تحرّي الدقة في المعلومة. 

  • كبسة ال “Share” التي يمكنها إيصال القصة لملايين المشاهدين قد تكون سببًا في استغلال المشاعر والتعامل اللاإنساني مع القضايا المختلفة.  

  • القدرة على النشر في أي وقت يعني رقابة أقل، وشائعات أكثر.  

يبقى السؤال، ما الذي يمكننا فعله لترتيب هذه الفوضى واستغلالها بالشكل المناسب الذي يصب في مصلحتنا، وليس العكس؟  

في مقابلة مطوّلة، شاركتني بيان التل، مستشارة الإعلام والاتصال والتربية الإعلامية، صاحبة الخبرة الواسعة في مجال الاتصال الحكومي ومؤسِّسة إدارة الاتصال الدولي الإعلامي مع جلالة الملك عبد الله الثاني، خبراتها الواسعة في المجال، مجيبةً على العديد من الأسئلة التي طرحتها أنا والفريق الشبابي المشارك في برنامج جيل 01 حول تأثير الإعلام على المجتمعات، والحاجة لإحياء حارس البوابة الداخلي، ونشر الوعي الإعلامي العام.  

 

الإعلام.. هل يستطيع تغيير قواعد اللعبة؟  

ترى التل أن الدور الإعلامي لا يقتصر على تكوين الآراء المجتمعية تجاه قضية ما، بل إنه إلى حد كبير قادر على إحداث تغيير على مستوى الدولة وقوانينها وقراراتها. “لدينا صحفيين وصحفيات نجحوا في توظيف الإعلام لإحداث تغييرات كبيرة في مجالات اجتماعية واقتصادية وسياسية. مثل نادين النمري التي استخدمت الإعلام لمناصرة قانون حقوق الطفل، كما ساهمت في حملات كسب التأييد لتصبح الأم قادرة على اتخاذ قرار إدخال طفلها للمستشفى. أيضًا رنا الحسيني، تناولت موضوع ما يسمى بجرائم الشرف حتى أحدثت تغييرًا في طريقة تعامل الأجهزة الأمنية معها. الإعلامي قادر على صنع التحوّلات، وليس فقط على التأثير على الرأي”، تقول التل.  

 

أين هو الحياد وإلى أي حد أستطيع كإعلامية أن أقف إلى جانب قضية معينة، أكسب التأييد تجاهها وأدافع عنها؟ 

تعتقد التل أن الأهم بالنسبة للإعلامي أن يكون دقيقًا في نقل المعلومات أكثر من كونه حياديًا. عليه أن يشمل ويطرح في محتواه جميع جوانب القضية، مهما كان رأيه بعيدًا عنها. لكن هل يعني ذلك أن يبقى حياديًا طيلة الوقت؟  

يبدو أن الإعلامي لديه المساحة التي نملكها جميعًا من حرية التعاطف مع القضايا الإنسانية. تقول التل: “في بريطانيا عندما تم طرح قضية الخروج من الاتحاد الأوروبي، ساهم انحياز المشهد الإعلامي لتأييد قرار الخروج بطرح وجهات نظر معينة دونًا عن أخرى، مما أثّر على الصالح العام للدولة. يوجد في الصحافة ما يسمّى بالصالح العام، وليس فقط أبيض وأسود. لذا، تستطيعين كإعلامية أن تكوني منحازة لما فيه مصلحة الوطن والمواطنين. ولتحقيق ذلك نحتاج للوعي والمسؤولية”. 

وتعكس هذه الإجابة أهمية تشكيل وعي لدينا كشباب مهتمين بمجال الصحافة والإعلام. فبينما علينا إظهار جميع الجوانب التي قد تنطوي على قضية ما، هناك قضايا إنسانية لا لبْس فيها. لدينا الخيار لنتعاطف معها، بل ونحاول كسب التأييد لما يصب في مصلحة المعنيين فيها، ولا أعتقد شخصيًا أن هذا يجرّدنا من مهنيتنا الإعلامية.   

 

من هو حارس البوابة في زمن السوشال ميديا؟  

كم مرة تلقيت رسالة من والدك أو والدتك عل واتساب لخبر ليس له أي أساس من الصحة؟ كم مرة قرأت عنوانًا لافتًا للنظر، وما أن فتحت الخبر حتى وجدته لا يستحق حتى النشر؟ 

مع وجود مواقع التواصل الاجتماعي وقنواته المختلفة التي نتابعها جميعنا بمختلف أعمارنا، أصبح مفهوم الاستهلاك الإعلامي شائكًا. وما بين تزييف الحقائق وتضليل المعلومة، وتضييق الصورة ووجهات النظر لحصر المتلقي في خانة معينة، وانتشار لخطاب الكراهية وممارسات التنمر، نحتاج للالتزام بأخلاقيات الإعلام، ليس فقط كإعلاميين ومتخصصين بالمجال، بل كمتابعين ومتلقين للأخبار.  

وفي هذا السياق، تقول التل: “للأسف، الأفراد لم يعد لديهم ثقة في الإعلام التقليدي. والسبب يعود بذلك للأجندات التي تتبعها وسائل الإعلام التقليدية. الشعب الذي ليس لديه ثقة بحكومة أو برلمان من الصعب أن تكون لديه ثقة بالإعلام المملوك من قبل الدولة. لذا، فإن مصدر المعلومة نفسه أصبح فيه خلل بالنسبة للمتلقي”.  

وتابعت: “أما وسائل التواصل الاجتماعي فقد فتحت أمامنا فرصة رائعة لتسليط الضوء على ما يهمنا، إلا أنها خلقت فوضى لا يزال أمامنا المجال لتنظيمها مع الوقت. اليوم علينا الانتباه للنظريات الإعلامية كحارس البوابة، أن نحْتَكِم كإعلاميين للمبادئ والأخلاق وشرف المهنة. أن أمتلك القدرة على فتح صفحتي الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي لا يعني أبدًا أن أنشر ما أريد. إن خالفتُ المبادئ فقد أسأتُ لسمعتي كإعلامي ولشرف المهنة وللمؤسسة التي أنتمي لها. الرقابة تبدأ من داخل الإعلامي أولًا. ثم يجب أن يكون هناك مؤسسات معنية بالرقابة في الجسم الصحفي المحلي، تتابع وتخالف أي خطأ قد يصدر من المحطات الإعلامية سواء التقليدية أم الحديثة”.  

وقد ذكرت التل مثالًا محليًا على هذه المؤسسات لأول مرة أطّلع عليه، وهو مرصد مصداقية الإعلام الأردني “أكيد” التابع لمعهد الإعلام الأردني الذي بدأ العمل منذ عام 2014، والهادف لرصد المخالفات الإعلامية وخطابات الإساءة والكراهية.  

 

لماذا تلقى الإشاعة رواجًا أكثر من الحقيقة؟ 

هنا، يأتي دور المتلقي. تنصح التل الجميع بالنظر “لنوع المشاعر” الذي أثارها الخبر الذي تلقيته قبل أن تضغط “share”. “الشائعات تقوم على استشارة العواطف. عليّ أن أسأل نفسي هل أحزنني هذا الخبر، أغضبني، هل يتفق فقط مع قناعاتي أم إنه مختلف عني؟”.  

وأضيف على كلامها نصيحة شخصية قد تفيد في البحث عن الحقيقة، وهي أن نبحث عن الخطأ في الخبر الذي يروق كثيرًا لمسامعنا، وأن نستمع لمن يخالف رأينا بقدر ما نستمع لمن يعطينا ما نرغب بسماعه.  

وتعليقًا على ذلك تقول التل: “وُجدَت وسائل التواصل الاجتماعي لننفتح على العالم ولتصبح المسافات أقرب فيما بيننا. لكن الخوارزميات اليوم تضعنا في فقاعة، تعرض علينا فقط ما نحب وما نرغب بالاستماع إليه ومشاهدته، وهذا أمر خطير، قد يؤثر سلبًا عل المجتمعات وفكرة التعددية واحترام الرأي الآخر وتقبّل الآخرين. لذا علينا أن نختار الطريقة الصحيحة للتعامل مع هذه الوسائل الإعلامية الذكية”.  

 

التربية الإعلامية.. ما هي وكيف نطبقها؟  

في خطوة هي الأولى في العالم العربي، يتم حاليًا في الأردن العمل على تطوير منهاج للتربية الإعلامية على مستوى وطني، حيث يتم تدريب المعلمين والمعلمات ليكونوا ميّسرين وليسوا مُلَقِّنين، كما يهدف المنهاج لبناء مهارات التحليل والبحث لدى الطلبة ليتمكنوا من تمييز المعلومات والوصول بأنفسهم للحقائق.  

قالت التل: “بدأنا العمل على هذا المشروع في الفترة ما بين 2019-2016 بالتعاون مع المركز الوطني لتطوير المناهج، وقد اكتسبنا ثقة الحكومة. أجرينا اختبارًا للمنهاج في أربع مدارس للصفوف السابع والثامن والتاسع، ذكورًا وإناثًا، وقد كانت النتائج مُبشّرة، ونجح الطلبة في تمييز المعلومة الصحيحة عن الخاطئة. اليوم علينا أن نعمل ابتداءً من صف الروضة إلى الصف 12، فجميع اليافعين والأطفال بلا استثناء يستخدمون الهاتف ويتعاملون مع السوشال ميديا. من المهم أن تدخل التربية الإعلامية في المناهج والكتب، ويتم تدريب المعلمين والطلبة على المهارات المختلفة، لنتدرج في بناء الوعي الإعلامي منذ عمر صغير”. 

في هذا الزمن كلّنا صحفيون.. بإمكاننا استخدام وسائلنا اليومية للتعبير عن أنفسنا، نقل قصتنا، البحث عن أجوبة لكل الأسئلة التي تدور في أذهاننا، لكن تبقى الخطوة الأولى هي بناء الوعي الكافي؛ توعية أنفسنا أولًا، ثم توعية من حولنا حول كيفية تلقي الخبر، تداوله، أو نشره. 

وأنهي مدوّنتي بعبارة للتل: “كل شيء أصبح بين أيديكم كشباب. يمكنكم استخدام الإعلام، الرقمي تحديدًا، لما فيه مصلحتكم ومصلحة هذا الوطن. لا تتأخروا في ذلك”.  

 

هذه المدوّنة تعكس رأي الشابة بشرى جلابنة بعد لقاء أجرته مع بيان التل، إحدى أبرز المختصات والفعالات في قطاع الإعلام والاتصال، كجزء من برنامج “جيل 01” المنفذ من قبل هيئة أجيال السلام، بدعم من السفارة الأمريكية في الأردن.  

تم تمويل هذه المدوّنة بمنحة من وزارة الخارجية الأمريكية. الآراء والنتائج والاستنتاجات الواردة هنا هي آراء المؤلف/ة ولا تعكس بالضرورة آراء ونتائج واستنتاجات وزارة الخارجية الأمريكية. 

 

بشرى جلابنة في لقاء مع بيان التل – مستشارة الاتصال والتربية الإعلامية