مدونات جيل01

عندما يتعلق الأمر بالأشخاص ذوي الإعاقة... المطلوب ليس الرعاية!  

 

في مدينة الألعاب، التيقتُ علي*. كان من المفترض أن أقضي معه ساعة من اللعب والانتباه، لكنني لم أعرف كيف تحوّلت الساعة لحوالي نصف نهار. علي كان أول طفل من أطفال التوحد أتعامل معه بشكل مباشر. في الحقيقة، لم أرَ في علي ما هو مختلف. هو يفرح ويضحك ويحزن ككل الأطفال. لم يكن مختلفًا بمشاعره، ربما طريقة تفاعله مع البيئة من حوله كانت مختلفة بعض الشيء، لكنه لم يكن مختلفًا.  

حين طُرِحت المواضيع على فريق جيل 01 لكتابة المدوّنات، اخترتُ موضوع الدمج دونًا عن كل المواضيع. تذكرتُ علي، وتذكرت زميلتي ميرا* في الجامعة؛ التي قالت لي مرة: “أنا ما بشرب مي في الجامعة لإني باكل هم كيف أروح على الحمام” لإنها تستخدم الكرسي المتحرك، وغيرهم من الأشخاص ذوي الإعاقة الذين لم يكونوا يومًا مختلفين عنا بالقدرات، لكنهم مختلفون بنوعية وكمية الفرص التي يحصلون عليها للأسف.  

بعد جلسة نقاشية لفريق جيل 01، طرحنا مجموعة من الأسئلة التي نرغب في معرفة أجوبة لها فيما يخص موضوع دمج الأشخاص ذوي الإعاقة على مستوى الأردن. وقد حظيتُ بفرصة لقاء مدير مديرية الوصول والتصميم الشامل في المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والناطق الإعلامي باسم المجلس رأفت الزيتاوي، ليأخذني في نقاش مطوّل عن أهمية دمج، بل وتمكين، هذه الشريحة في مختلف مجالات الحياة. ما الذي ينقصنا في الأردن؟ وهل نسير على الطريق الصحيح للتحول من مفهوم “الرعاية” لمفهوم “التمكين”؟ كيف نتعامل مع زميل من الأشخاص ذوي الإعاقة؟ وهل بيئات العمل آمنة لهم؟  

 

نقطة البداية.. ليسوا “أصحاب الهمم”!  

في بداية المقابلة مع الزيتاوي، بدأتُ بالسؤال عن أبسط الأمور التي علينا جميعًا الانتباه إليها عند مخاطبة هذه الشريحة: من بين جميع المسميات التي نطلقها، ما هي التسمية التي تضمن المخاطبة الموضوعية التي لا تتسبب بأي أذى؟ 

أولًا، أشار الزيتاوي إلى أنه لا يمكننا تجريد التسمية من كلمة “شخص”، معلقًا بأن التسمية الأدق والمعتمدة حول العالم هي “الأشخاص ذوي الإعاقة”. ثانيًا، لا يمكننا تسميتهم بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة؛ يقول الزيتاوي: “انظر إلى نفسك، وانظر إلى من حولك؛ كل منا لديه احتياجات خاصة تختلف عن الآخر. قد تحب هواء التكييف باردًا، بينما يحبه غيرك دافئًا. مرضى السكري والضغط لديهم احتياجات خاصة. لدينا جميعًا احتياجات ومتطلبات خاصة تختلف باختلاف مجالات الحياة. التسمية بهذا الاسم تتيح للجميع المطالبة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وهذا يخلق نوع من الفوضى”.  

وتابع في فكرة مثيرة للاهتمام: “لماذا لا نطلق مسمى “ذوي الهمم” على الأشخاص ذوي الإعاقة؟ لإن هناك مبالغة بالوصف. لا ننسى أن الأشخاص ذوي الإعاقة هم جزء من التنوع المجتمعي. مثلما يوجد شخص طويل، قصير، أسمر، حنطي، هناك شخص من ذوي الإعاقة. قد تكون همّة هذا الشخص عالية، متوسطة، قليلة.. لا نعرف.. مسمى أصحاب الهمم يعكس أسلوب وتوجه رعائي هدفه فقط رفع المعنويات بشكل مبالغ فيه، وهو ما نسعى لوقفه عند التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة. نحن نطالب بالمساواة لا التمييز”.   

لا يتوقف موضوع التسمية علينا كإعلاميين أو مهتمين بالمجال الصحفي عند الكتابة أو إعداد التقارير، إنما أيضًا هناك اتيكيت وأساليب تواصل مختلفة علينا جميعًا معرفتها والوعي بها، وقد أشار الزيتاوي إلى الأدلة الإرشادية المتاحة على موقع المجلس، كدليل المستشفيات والبنوك وطرق التواصل الإعلامي، وغيرها، والتي تساعدنا في التواصل مع الأشخاص ذوي الإعاقة بشكل إيجابي وموضوعي.   

 

الحالة القانونية، ما بين سن التشريعات وتطبيقها، أين نقف؟  

صادق الأردن على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة عام 2008، ما يعني أنها أصبحت ملزمة وأي تشريع يخالفها يجب تعديله. وفي عام 2017 تم إقرار قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الذي يحارب كل أشكال التمييز ضد هذه الشريحة، وقد حدد لجميع مؤسسات الدولة، حكومية وخاصة، المتطلبات التي عليها توفيرها لحماية هذه الحقوق. منذ ذلك الوقت، يقوم المجلس الأعلى بمراجعة التشريعات وتعديلها بناء على القانون. لكن يبقى السؤال: هل يتم تطبيق القوانين بالشكل الصحيح؟  

يرى الزيتاوي أننا قد حققنا العديد من الإنجازات الواضحة منذ عام 2008. يقول: “هناك ثلاثة عوامل تلعب دورًا في تطبيق القوانين، أولًا الوعي، أو الجهل، بالقوانين، ثانيًا عدم الرغبة في التغيير، ثالثًا المراحل الطبيعية لسريان القانون وتطبيقه. الدول المتقدمة بمجال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، كالسويد واليابان، لم تصل إلى هذه المرحلة إلا بعد فترة طويلة من العمل والتحديات والصراع. برأيي نحن على الطريق الصحيح، لقد نجحنا في تغيير القوانين والإجراءات. قانون العقوبات على من يمارسون العنف ضد الأشخاص ذوي الإعاقة تم تغييره لمضاعفة العقوبة. قانون العمل اليوم يشمل بندًا لتعيين نسبة 4% من الأشخاص ذوي الإعاقة من مجمل الفريق في المؤسسات العامة والخاصة. انظر اليوم إلى شكل المباني والمرافق العامة ما قبل القانون وما بعده.. لذا نحن نخطو بخطوات جيّدة، لكن المزيد من التغيير مطلوب”. 

وكخرّيج إعلام، أرى أن نقطة الوعي التي ذكرها الزيتاوي في بداية حديثه هي المفتاح، وجزء كبير من المسؤولية يقع على عاتقنا، سواء كشباب أو كإعلاميين. إذ لا يكفي تسليط الضوء على قصص النجاح أو المبادرات، بل يجب تحويل الخطاب الإعلامي لخطاب حقوقي، يعمل أولًا على توعية المجتمع والأشخاص ذوي الإعاقة وأهاليهم بحقوقهم، ثم يضغط للمطالبة بتمكين هذه الشريحة وفتح الفرص أمامها.  

في آخر إحصاء سكاني، وصلت نسبة الأشخاص ذوي الإعاقة في الأردن من إجمالي عدد السكان ممن هم فوق سن 5 سنوات إلى 11.2٪ أي أكثر من مليوني شخص،، تخيّل أننا قادرون إما على تحويل هذا الرقم لعبء اقتصادي واجتماعي على الدولة، أو تحويله لمصدر لرفد الإنتاجية والاقتصاد الوطني. ماذا نختار؟”، سألني الزيتاوي. فكان ردّي بسؤال، كيف يمكننا اختيار الثانية؟  

 

الدمج في التعليم والعمل  

يبدأ الموضوع من توفير تعليم دامج يتم فيه تهيئة البيئة بشكل شامل؛ من مناهج تعليمية، لبنية تحتية، لأدوات وتقنيات، لمعلمين وطلبة، ليتوفر للطلبة ذوي الإعاقة كل ما يلزمهم من بيئة داعمة وليست معيقة. في الوضع الحالي لمدارسنا الحكومية لن يكون من السهل دمج هذه الشريحة، فبحسب الزيتاوي فإن “نسبة الأشخاص ذوي الإعاقة الذين لا يتلقون أي شكل من أشكال التعليم تتعدى 75%”، ما يعني أن هنالك ثغرة يجب سدّها بأسرع وقت ممكن.  

يعلق الزيتاوي: “إن أبسط حق من حقوق الطفل هو أن يجد مدرسة قريبة من منزله، وهذا ما نسعى لتوفيره لكل الطلبة ذوي الإعاقة. نعمل حاليًا مع وزارة التربية والتعليم في 30 مدرسة في محافظات الجنوب والوسط والشمال، وسيتم اتخاذ هذه المدارس كنموذج للتعليم الدامج بشكل تدريجي”.  

وبالنسبة للتعليم الجامعي، أشار الزيتاوي إلى أن المجلس وقع مذكرات تفاهم مع أربع جامعات حكومية وخاصة لتنفيذ خطة تُطبّق تدريجيًا لتهيئة المباني، وتوفير مترجمين لغة إشارة، وتوفير مركز وصول يقدم كل الدعم التقني والأدوات التي يحتاجها الطلبة ذوي الإعاقة. “لدينا نقص في مترجمي لغة الإشارة المعتمدين بالسوق. لكن تمكنّا من توظيف عدد جيّد من المترجمين في الجامعات، ومع الوقت ستتكفّل الجامعات الأربعة بتسديد رواتبهم حسب الاتفاقيات”.  

وبالانتقال للدمج في بيئات العمل؛ يقول الزيتاوي: “الفكرة ليست بزيادة عدد الموظفين ذوي الإعاقة، بل بتغيير الصور النمطية عنهم. أن تكون الكفاءة، الخبرة، والشهادة هي المقياس”. وعلى حد تعبير الزيتاوي فإن الأردن لديه “ممارسة فُضلى على مستوى العالم” فيما يتعلق بتوظيف الأشخاص ذوي الإعاقة، وهي التوظيف من خلال “لجنة تكافؤ الفرص”.  

هذه اللجنة المكوّنة من أعضاء من وزارة العمل، وغرفة التجارة والصناعة، وديوان الخدمة، والقطاع الخاص، وخبراء من الأشخاص ذوي الإعاقة، مسؤولة عن إصدار تقارير التوظيف لدى ديوان الخدمة، كما أنها تحدد المتطلبات والتكنولوجيا والأدوات التي يجب أن تلتزم المؤسسة بتوفيرها للموظف ذي الإعاقة، كما أنا تتابع وتراقب ممارسات العمل، وتتلقى الشكاوى ذات الصلة في حال تعرض الأشخاص ذوي الإعاقة لأي انتهاك لحقوقهم في العمل.  

 

أين نحن من المدافعة وكسب التأييد؟ 

أعتقد أن ما من شخص يدرك حقيقة المتطلبات التي يحتاجها الأشخاص ذوي الإعاقة ليتمكنوا من تحقيق أقصى إمكانياتهم أكثر من هؤلاء الأشخاص أنفسهم وأهاليهم. لذلك، إن ممارسة الضغط على الجهات الحكومية والخاصة لتلتزم بمسؤولياتها تجاه هذه الشريحة، ومطالبة الإعلاميين بممارسة دورهم في نشر الوعي والدفع باتجاه الخطاب الحقوقي يبدأ من كل عائلة ومن كل شخص لديه أي نوع من أنواع الإعاقة. ولا ننسى أن أي خطوة فردية، حتى وإن اقتصرت على توعية نفسك بأمور بسيطة كإتيكيت التواصل مع الأشخاص ذوي الإعاقة، هي خطوة في الاتجاه الصحيح.  

لدينا حملات محلية كثيرة مثل حملة “تكافؤ” التي هيّأت مراكز الاقتراع للأشخاص ذوي الإعاقة؛ وحملة “الأردن المهيأ” للراحلة آية أغابي، وحملة “صار وقتها” لتهيئة الجامعة الأردنية؛ والتي أثبتت جميعها نجاحها في كسب التأييد للأشخاص ذوي الإعاقة.  

علينا التركيز على المجالات المختلفة، والمطالبة خطوة بخطوة دون يأس في حقهم بالحصول على فرص موائمة في التعليم، المشاركة السياسية، العمل، وكافة مجالات الحياة؛ لنثبت للجميع أن ما ينقص الأشخاص ذوي الإعاقة ليس القدرة بل الفرصة! 

 

*الأسماء مستعارة للحفاظ على الخصوصية

 

هذه المدوّنة تعكس رأي الشاب عمر الترك بعد لقاء أجراه مع رأفت الزيتاوي، أحد أبرز المختصين في مجال دمج الأشخاص ذوي الإعاقة، كجزء من برنامج “جيل 01” المنفذ من قبل هيئة أجيال السلام، بدعم من السفارة الأمريكية في الأردن. 

تم تمويل هذه المدوّنة بمنحة من وزارة الخارجية الأمريكية. الآراء والنتائج والاستنتاجات الواردة هنا هي آراء المؤلف/ة ولا تعكس بالضرورة آراء ونتائج واستنتاجات وزارة الخارجية الأمريكية. 

 عمر الترك في لقاء مع رأفت الزيتاوي الناطق الإعلامي ومدير مديرية الوصول والتصميم الشامل في المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.