مدونات جيل01
متى تصبح الرياضة أداة للانفتاح لا الاختلاف؟
كشابة مارست رياضة الريشة الطائرة لفترة طويلة من طفولتي، وأخت للاعبين في المنتخب الوطني للتنس الأرضي، كانت الرياضة ولا تزال جزءًا أساسيًا من حياتي. لكن اهتمامي بها، لا يقتصر على دورها في تنمية المهارات البدنية واللياقة وحصد الجوائز والميداليات. فقد شهدتُ بنفسي الأثر الذي تركته الرياضة فينا، بدءًا من صقل شخصياتنا على الإرادة والقوة والتصميم؛ وصولًا إلى ترسيخ قيم التعاون والتواصل الإيجابي مع الآخرين، حتى وإن كنا لا نعرفهم. وبفضل دورها في تحفيز النفوس، والأبدان، والعقول، أكاد أجزم بأن الرياضة قادرة على تغيير المجتمعات وسلوكياتها بشكل إيجابي.
كجزء من مشاركتي في برنامج جيل 01، اخترتُ موضوع الرياضة لأكتب مدوّنتي عنه، وقابلت عطوفة الدكتور عبدالسلام الشناق، مدير إدارة الأنشطة في وزارة التربية والتعليم، للحديث أكثر عن الرياضة ودورها في تنمية طلبة المدارس، والتأثير بالمجتمعات وتنميتها، هل هي أداة لنشر الاختلاف والتفكك أم أنها، إن تم استغلالها بالشكل الصحيح، تصبح أداة للتقارب والوحدة والسلام؟ كيف تصقل الشخصيات؟ وهل مدارسنا مجهزة لإعداد الأولمبيين؟
التنافس من أجل النفع.. كيف تفتح الرياضة أبواب التواصل والاندماج؟
“أثر الرياضة ودورها الكبير في المجتمعات يبدأ من المدرسة. إن أي عمل أو نشاط إيجابي سيعود بالتأكيد على أبنائنا الطلبة ومجتمعنا ككل بالفائدة”، يقول عطوفة الدكتور الشناق. وتابع: “للأنشطة الرياضية التي نصممها في مدارسنا فائدة نفسية وصحية كبيرة على أبنائنا الطلبة، كما أنها ترسّخ مبدأ التنافس من أجل النفع، وليس التنافس من أجل الفوز والخسارة. فالرياضة هي وسيلة للانفتاح على الآخر بالدرجة الأولى، تدمج الطلبة ببعضهم البعض، وتفتح بينهم أبواب التواصل والتفاعل والتعاون والعمل الجماعي”.
وكوني متطوعة لدى منظمة مجتمعية رسالتها بالأساس استخدام الرياضة لأجل السلام والتنمية، أرى أهمية تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص في دعم الأنشطة الرياضية بشكل أكبر. ولا يقتصر ذلك على تنظيم الأنشطة قصيرة الأمد، كالماراثونات وأنشطة ركوب الدراجات الجماعية والمسارات التي نسمع عنها، بل أيضًا دعمهم للأنشطة الدامجة التي تمنح فرصًا متساوية للجميع للمشاركة؛ للمرأة، للطفل، وللشخص ذوي الاحتياجات الخاصة.
في هيئة أجيال السلام، المنظمة التي أتطوع لديها، يتم تصميم الأنشطة الرياضية بشكل مدروس لكسر الحواجز بين الفئات المتأثرة بالنزاع، أو لدمج الأشخاص ذوي الإعاقة، أو لتعزيز الصحة النفسية للطلبة. ويُبنى المنهاج لكل برنامج بشكل متكامل؛ بحيث يتم تدريب معلمات ومعلمي التربية الرياضية في المدارس الحكومية على كيفية توظيف الرياضة في حصصهم كأداة للتنمية وتعزيز التقبّل والاحترام؛ ثم يُمنح الطلبة سلسلة متواصلة من الجلسات المليئة بالأنشطة الرياضية، والتي يكون هدفها أن يعبر هؤلاء اليافعين والأطفال عن أنفسهم؛ ويندمجوا مع أقرانهم من صفوف ومدارس مختلفة؛ مما يساعدهم في إزالة الحواجز والأحكام المسبقة عن بعضهم البعض. وهذا يساهم بالتأكيد في إيجاد مجتمع مدرسي صحي، ويحد من مستويات العنف والتنمر بين الطلبة.
الرياضة لتجاوز النزاع لا خلق الاختلاف
في تعليقه على أهمية الرياضة في تجاوز النزاعات ومنح الفرصة للجميع بالمشاركة، يقول عطوفة الدكتور الشناق: “ممارسة الأنشطة الرياضية تزرع لدى أبنائنا الطلبة ثقافة مختلفة. ثقافة تقبّل الآخر مهما اختلف عنا. لا فرق بين أبيض، أو أسود، أو طويل، أو قصير. وكلها صفات نحتاج لترسيخها من أجل مجتمع أكثر ازدهارًا. لدينا اليوم طلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة يشاركون في بطولاتنا ويحصدون ميداليات ومراكز أولى. وهذا أمر نفتخر به”. وأضاف: “نعمل حاليًا مع مدرسة للأشخاص الصم، لندمجهم في جائزة الملك عبد الله الثاني للياقة البدنية”.
تقول إحدى الطالبات المشاركات في أحد برامج الهيئة التي نفذت مؤخرًا: “تعلّمتُ الصبر وألا أحكم على الأشخاص من مظهرهم. كانت هناك العديد من الفتيات اللواتي اعتقدت بأنهن لا يستطعن اللعب جيدًا، لكنني تفاجأت من مستواهن باللعب في المباريات. كذلك كنت أذهب وأتحدث معهن، وأجد أن أسلوبهن وأخلاقهن رائعة”. هذه الطالبة، عمرها 12عامًا وهي إحدى طالبات الواعد للشلل الدماغي، تمثّل قصة نجاح، ربما بسيطة، لكنها كفيلة بأن تعكس لنا مدى أهمية إشراك الجميع في نشاط رياضي مدروس.
وربما تتساءلون لما نركز على كلمة “مدروس”. السبب في ذلك أن الأنشطة الرياضية الهادفة للتغيير السلوكي تحتاج لأن يتم تصميمها بعناية ودراسة. فمثلًا لا يمكنك أن تضع مجتمع “أ” ومجتمع “ب” في فريقين متنافسين وأنت تعرف مسبقًا أن هناك نزاع ثقافي أو سياسي أو ديني قائم بين هذين المجتمعين. وفي هيئة أجيال السلام يتم اتباع نهج “Plus Sport“، إذ يتم دمج أنشطة رياضية وغير رياضية في البرامج للوصول إلى مرحلة تجاوز النزاع وبناء السلام بين المشاركات والمشاركين.
متى تصبح مدارسنا جاهزة لصناعة الأولمبيين؟
كأخت للاعبي منتخب وطني بتصنيف عالمي تخرجا من مدارس حكومية، يتبادر لذهني أسئلة كثيرة عن كيفية دعم المنهاج الرياضي والبنية التحتية المدرسية بشكل أكبر حتى نستطيع التركيز على الرياضة كأداة للتغيير، وننجح في بناء نماذج وقصص نجاح محلية ملهمة.
يقول عطوفة الدكتور الشناق: “هناك تقدم وتطوّر واضح في مجال الرياضة المدرسية، لكننا لا نزال نحتاج لمزيد من الدعم. نطمح بأن يكون لدينا في الأردن أكاديميات رياضية تخرّج طلبة محترفين رياضيًا، وتدرّس مناهج أكاديمية في الوقت نفسه، كأكاديمية “أسباير ” في قطر”، وختم كلامه بجملة مثيرة للتفكير: “لو فتحنا ملعبًا في كل حارة، ربما نغلق مستشفى في مكان آخر”، في إشارة إلى أهمية الرياضة الصحة البدنية وفي تنمية الاقتصاد المحلي والمجتمعات ككل.
وأخيرًا، أرى شخصيًا بأننا نحتاج لمزيد من الدعم والتركيز على مجال الرياضة في المدارس والجامعات الحكومية، ولا يتم ذلك إلا بتعاون استراتيجي وخطط متكاملة بين القطاعات: الحكومي، والخاص، ومنظمات المجتمع المدني.
لكن يبقى الموضوع متعلق بإرادة داخلية؛ فلدى كل واحد منا كأفراد القدرة على ممارسة الرياضة لبناء نفسه أولًا، ونشر الوعي حول أهمية ممارستها، وتشجيع الآخرين من خلال قيادة نشاط مجتمعي رياضي بسيط، لنبدأ بالتغيير من الحيّ الصغير، وصولًا للشريحة الأكبر في المجتمع.
هذه المدوّنة تعكس رأي الشابة رشا القطب بعد لقاء أجرته مع عطوفة الدكتور عبدالسلام الشناق، أحد أبرز المختصين في مجال الأنشطة الرياضية المدرسية، كجزء من برنامج “جيل 01” المنفذ من قبل هيئة أجيال السلام، بدعم من السفارة الأمريكية في الأردن.
تم تمويل هذه المدوّنة بمنحة من وزارة الخارجية الأمريكية. الآراء والنتائج والاستنتاجات الواردة هنا هي آراء المؤلف/ة ولا تعكس بالضرورة آراء ونتائج واستنتاجات وزارة الخارجية الأمريكية.
رشا القطب في لقاء مع عطوفة الدكتور عبدالسلام الشناق – مدير إدارة الأنشطة في وزارة التربية والتعليم