مدونات جيل01

المشاركة السياسية للشباب.. بين الواقع والطموح 

 

أكتب هذه المدوّنة وقد مررتُ، في طريقي للعمل اليوم، بالعديد من اللافتات المنتشرة في الشوارع عن الانتخابات الحزبية. شعارات عن تعزيز مشاركة المرأة، زيادة المساحة للمواطن ومطالبه، وإيجاد مكان لصوت الشباب. عن تحديات اليوم والمستقبل، ودور الشباب في إيجاد الحلول.  

حين اجتمع فريق جيل 01 للحديث عن الأسئلة التي سنطرحها حول موضوع المشاركة السياسية والمجتمعية للشباب، كانت أسئلتنا ومخاوفنا مشتركة تقريبًا. قانون الأحزاب الجديد، ما الذي سيقدمه؟ هل حقًا نتجّه نحو إصلاح سياسي؟ إلى متى سيستمر أثر الإحباط من أداء البرلمانات والحكومات المتعاقبة علينا؟ هل لدينا الوعي السياسي الكافي للاختيار؟ كيف يمكن للجامعات أن تكون صانعة للعقول وليست وجهة للدراسة والشهادات فقط؟  

أسئلة متشعبة كنتُ محظوظة بطرحها على أحد الفاعلين في مجال الإعلام السياسي، السيد مزيد عبدالمعطي، الذي يعمل رئيس تحرير الأخبار في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، ومذيع نشرات، ومقدم برنامج اللقاء المفتوح للشؤون السياسية والبرلمانية.  

 

لماذا من المهم أن يشارك الشباب أساسًا في العملية السياسية؟ 

لو ألقيتم نظرة شمولية وسريعة على وضع معظم الشابات والشباب الأردنيين اليوم فيما يخص المشاركة السياسية، ستجدون واحدًا من هذه السيناريوهات على الأرجح:  

  • عزوف مقصود عن العمل السياسي، 
  • إحباط مستمر بخصوص النتائج المحققة، 
  • اختيار متأثر بعوامل خارجية، 
  • أو جهل بأهمية ودور السياسة في حياتنا.   

وبينما لا أريد أن أبدو سوداويةً أو سلبية، إلا أن الأرقام بين أيدينا تؤكد على ذلك، فنسبة 45.9٪ من الشباب – أي تقريبًا نصف عددنا – لم تكن لديهم نيّة في المشاركة في الانتخابات البرلمانية لعام 2020 بحسب راصد1. ولكن السؤال، لماذا نسعى لزيادة نسبة مشاركة الشباب في العمل السياسي؟  

يقول مزيد: “بدايةً لنتفق على أن السياسة هي جزء لا يتجزأ من حياتنا. بل إن الحياة عبارة عن سياسة. حتى في علاقاتنا وأمورنا الشخصية نحن نتشابك ونترابط مع الآخرين من حولنا. لذلك، الإصلاح السياسي يأتي على رأس الهرم. حين يكون لك دور سياسي إذًا ستكون قادرًا على إجراء إصلاحات في التعليم، والصحة، والاقتصاد، وجميع المجالات الاجتماعية. 

فئة الشباب حول العالم هي أكثر فئة عمرية تمتلك كمًّا من النشاط والطاقة والقدرة على التفاعل مع القضايا، بل والقدرة على تحمّل هذه القضايا ومواجهتها. في المقابل، هذه الفئة هي الأكثر عرضة للتأثر بالقضايا التي تنتشر داخليًا وخارجيًا؛ مثل الجريمة والمخدرات والتطرف والإرهاب، وغيرها.  

لذا فإن استهداف الشباب وزيادتهم وعيهم السياسي، ثم فتح الأبواب لهم للمشاركة سياسيًا؛ يعني بناء مجتمع سليم وصحي وحضاري يتبنّى الفكر الإصلاحي المستمر، ويبعد عن الانحراف والانهيار”.  

 

الجامعات وجهة لإنتاج العقول  

خلال سنوات دراستي بالمدرسة ثم الجامعة لم يكن موضوع المشاركة السياسية يأخذ حيّزًا كبيرًا من الاهتمام لدى أساتذتي. لذلك أرى شخصيًا أن جهد كبير يجب أن يوضع لتأهيل الكوادر التعليمية، ليكون المعلم والأستاذ أكثر وعيًا، ويفتح عيون طلبته من يافعين وشباب على هذا الموضوع بشكل فعّال وإيجابي. كذلك، لابد من توفير مناهج دراسية تصقل شخصيات الطلبة بشكل مختلف.  

يقول مزيد: “بناء الوعي السياسي يجب أن يبدأ قبل عمر الشباب؛ قبل الـ 18عامًا. أن نبدأ بتشكيل معايير الاختيار السليم لدى الأفراد من عمر الطفولة. أن نضع برامج تطويرية توعوية ربما تكون تكلفتها عالية اليوم، لكنها ستجنّبنا دفع فواتير أكبر حجمًا في المستقبل”.  

وعن التجربة الانتخابية الجامعية، أشار: “الانتخابات الجامعية لها وزنها، وهي تجربة تساهم في التنمية السياسية وزيادة الوعي عند الشباب. يجب النظر إلى الجامعات على أنها عقل الدولة في البناء العلمي والسلوكي للشباب. أن تنتج جامعاتنا شخصيات وطنية وقيادات مجتمعية مؤثرة منظمة بمختلف الاتجاهات، تقدم خطابات حزبية ورؤى استشرافية للأردن”.  

وبرأيي، فإن من أهم الطرق التي يمكننا أن نتبعها لنصنع قادة مجتمعيين وشخصيات مؤثرة هو العمل على الوعي السياسي. وصحيح أن البرامج الوطنية الممنهجة أمر مطلوب، لكن، في ظل غيابها أو محدوديتها، يبقى الدور علينا كشباب في البحث عن مصادر تساعدنا في تشكيل هذا الوعي لنساهم في التغيير الذي نطمح بأن نراه.  

ولزيادة معرفتي بالبرامج والمصادر المتاحة، بحثتُ أكثر عبر الإنترنت وتحدثت إلى زملائي في فريق جيل 01، حيث كانت بشرى جلابنة، إحدى شابات الفريق، قد شاركت في برنامج لمؤسسة راصد ، وقد أشارت إلى أنها تعرفت خلاله على القانون الانتخابي الجديد، الأحزاب السياسية، كيفية تشكيلها، وكيفية انتخابها، وغيرها.  

كذلك هناك العديد من البرامج التي تنفذها منظمات المجتمع المدني داخل الجامعات. على سبيل المثال برنامج “أنا أشارك” الذي نُفّذ في 13 جامعة أردنيّة. وقد هدف إلى تعزيز قدرات الشباب والشابات ومعرفتهم للمبادئ الأساسية للعملية الديمقراطية، من خلال جلسات تدريبية وحوارية تفاعلية، ويمتد في مرحلته الثانية؛ “أنا أشارك +”2 ليركز على مهارات كسب التأييد. 

 

لكن، لو افترضنا أننا كشباب شكّلنا وعيًا سياسيًا قويًا، كيف سنتعامل مع الإحباط المتكرر من أداء النواب والحكومات المتعاقبة؟ هل ضعف الأداء هو خطأ المنتخبين لعدم اختيارهم الشخصيات الصحيحة؟ أم إنه ناتج عن الحدود التي تقف عندها الصلاحيات المتاحة للبرلمان؟ أم إنه قلة وعي من طرفنا بدور البرلمان بشكل عام؟  

 

المخاوف بين الماضي والقوانين الجديدة 

مع تعاقب المجالس البرلمانية والحكومات التي لم تلبي طموحاتنا أو متطلباتنا كشباب؛ وعلى رأسها الحد من البطالة وتحسين التعليم ومواكبته لمتطلبات سوق العمل والتوجهات الاقتصادية الجديدة، أصبح الإحباط هو السائد.  

أضف إلى ذلك أننا غير معتادين على فكرة الانضمام لحزب معيّن؛ بل إنها فكرة تثير المخاوف والتساؤلات بداخلنا. ومع وجود قانوني الانتخاب والأحزاب الجديدين، لا زلنا نحتاج إلى بعض الوقت لتقبّل الفكرة وأخذها على محمل الجد. وهنا سألتُ الضيف، كيف لنا أن نتجاوز الإحباط ونشارك، سواءً بالانتخاب أو بالانتماء للأحزاب؟  

“طوال السنوات الماضية، كان الأداء البرلماني أداءً فرديًا. لم يكن هناك وجود للبرامج. بغياب البرامجية، كان اختيار البرلماني يقوم على المطالب الفردية والمصالح والمحسوبية؛ هناك خدمة معينة سيقدمها هذا النائب لمنطقتي إذًا سأنتخبه. تم التعامل مع 130 نائبًا في كل مجلس بشكل فردي. الخلاصة: هذه التجربة الفردية لم تنجح. لكن ذلك لا يعني أن نتوقف، بل أن نتعلم من هذا الفشل ونجعل منه دافعًا لنا.  

مع القانون الانتخابي الجديد، سيصبح التعامل مع النواب كتكتّلات وبرامج محددة وموحدة. لن تتعامل الحكومة مع النواب شكل منفرد؛ ما يعني أن التجربة الجديدة لها القدرة على أن تكون أكثر تأثيرًا على قوة الدولة ومصلحة المواطن. ستكون الأحزاب أكثر قدرة على تحقيق الخدمات العامة، وأكثر فاعلية في المحاسبة والحد من الفساد. يجب أن يعي الشباب أن هذا المسار الجديد يعالج ما كنا نمر به من إشكاليّات.  

من سيشكل الحكومة هو الحزب الذي سيفوز بأكبر عدد من النواب أو التكتّل الأكبر المشكّل من حزبين أو ثلاثة أحزاب، والمواطن هو سيحدد من هذا الحزب، باختياره له. برأيي إن الإصلاح السياسي الحالي هو فرصة لنا جميعًا، أفرادًا ومؤسسات”.  

بحسب دراسة لراصد، أكثر من 50% منا كشباب لا نأخذ اعتباراً للانتماء الحزبي للمترشحين عند التصويت، أما المفارقة، فهي أن 39% منا يرون أن انتماءاتهم العشائرية تؤثر سلبًا على سلوكهم في التصويت3. ماذا يعني ذلك؟ يعني أننا في أمسّ الحاجة اليوم لوجود تكتلات تمثّلنا، وليس أفرادًا يحملون شعارات قومية أو دينية أو أسماء عائلات معينة. 

نسبة الشباب والشابات الذين يدرسون الانتماء الحزبي للمرشحين الآن ستزداد بطبيعة الحال، حيث إن20%  من الهيئة العامة لأي حزب محجوزة للشباب4. سيصبح بحثنا عن برنامج حزبي يعكس متطلباتنا. بعض الأحزاب ستركز على الجانب الاقتصادي، التعليمي، الصحي؛ سنختار البرنامج الذي نرى فيه أولوية لدينا، وبناءً عليه نختار الحزب الذي يمثل هذا البرنامج.  

مع الوقت، قد نختار الانضمام لهذه الأحزاب، أو تشكيل أحزاب تحقق التغييرات التي نطمح برؤيتها في بلدنا ومجتمعنا. وضمن هذه النقطة، يقترح مزيد أن تضم الأحزاب السياسية أعضاءً من مختلف الفئات العمرية و”ألا يكون الحزب شبابيًا”، لكي نستفيد برأيه من تجارب من سبقونا، وننظر إليها كدروس مستفادة لا نكررها في رحلتنا نحو المشاركة السياسية.  

 

التجربة.. هل من خيار آخر؟ 

أعرف أن الكلام أسهل من التطبيق. وأننا لا زلنا نحتاج للكثير من الدعم؛ وتحديدًا المعرفي، لكي ننتقل من مرحلة الإحباط لمرحلة المشاركة. لكن التجربة هي التي ستعلّمنا وتعرّفنا ما إذا كانت مشاركتنا السياسية ستخرج بنتيجة أم لا، خاصة وأن العزوف عن المشاركة قد يعني وصول من لا يملكون الكفاءة.  

في زمننا الحالي ومع وجود وسائل التواصل الاجتماعي، بإمكاننا البحث، والنشر، وإيجاد الدعم، بل والترويج لحملاتنا الانتخابية لو فكّرنا في الترشّح أو دعم المرشحين. إذا أردنا أن يصل صوتنا وأن نحقق التغيير على مستويات مختلفة، مشاركتنا السياسية، سواءً بالترشح أو بالتصويت، هي المفتاح.  

وأختم بجملة لضيفي الإعلامي عن التجربة القادمة: “أصبح لدينا بُنية قانونية قوية. بقي التطبيق. قد يشوب التجربة الأولى بعض الأخطاء، لكن سيكون هناك تعديل وتصحيح من كل الجوانب، حتى على الجانب الفردي واختياراتنا للأحزاب. أعتقد أن التجربة على أرض الواقع ستكون سببًا في صحوة الكثيرين”.  

 

 

هذه المدوّنة تعكس رأي الشابة دعاء عماد بعد لقاء أجرته مع مزيد عبدالمعطي، أحد أبرز المختصين بالمجال الإعلامي السياسي والبرلماني، كجزء من برنامج جيل 01 المنفذ من قبل هيئة أجيال السلام، بدعم من السفارة الأمريكية في الأردن. 

تم تمويل هذه المدوّنة بمنحة من وزارة الخارجية الأمريكية. الآراء والنتائج والاستنتاجات الواردة هنا هي آراء المؤلف/ة ولا تعكس بالضرورة آراء ونتائج واستنتاجات وزارة الخارجية الأمريكية. 

 

 دعاء عماد في لقاء مع مزيد عبدالمعطي – إعلامي متخصص في الشؤون السياسية والبرلمانية